التعليم

مفهوم الميثولوجيا

مفهوم الميثولوجيا

علم الميثولوجيا أو علم الأساطير هو المعنيّ بدراسة الأساطير الموضوعة منذ القدم كمحاولة من الإنسان لتقديم تفسيرات حول ظواهر بالكون، وقد نُسجت معظم الأساطير من تواجد آلهة لها قوى خارقة وتتحكم في نواحي كونية طبيعية مع فرض السلطة على المخلوقات عبر ذلك، ويعتقد أصحاب تلك الأقاويل بأن دراساتهم وشروحاتهم صحيحة لرغبتهم في معرفة الخالق من خلال التفكير والتأمل بالنشأة الكونية.

لذا حاول الفلاسفة وعلماء الميثولوجيا بأن يفصلوا بين هذا العلم والدين، مع الإقرار بتواجد فارق جذري فيما بينهم كما ذكر الكاتب ديتيان؛ نظرًا إلى أن اعتماد هذا العلم يستند إلى تفسير سلوكيات حيوية بالأرض وتفسير ظواهر الكون في إطار الرؤية البشرية المحضة، والتي تبعد كثيرًا عن الحقيقة والواقعية العلمية، وترتبط غالبًا بالخيال وتصوراته التخيلية.

ارتبط علم الميثولوجيا أيضًا بالأدب من خلال تضمين الأدباء له في رواياتهم وأشعارهم، وذلك عن طريق استلهام الخيالات وصور من الأساطير وتوظيف أبطالها بالأعمال الأدبية؛ مثل العنقاء، وأوديب، وبروميثيوس، وإلكترا وغيرهم، ويُمكننا تسمية تلك الرموز العميقة في الأدب بـ “أبطال ميثولوجية”.

بالتالي فإن مفهوم الميثولوجيا إجمالًا هو علم مُختصّ بالأساطير الثقافية التي تشرح ما يحدث في الطبيعة من منظور الإنسانية، بينما تُمثّل الأسطورة حكاية مؤلفة من عدة أحداث عجيبة وخارقة بها غرابة، وقد تتمثل في تغيير حدث تاريخي والإضافة إليه لضعف الذاكرة البشرية.

على مرّ الأزمان حدث امتزاج ما بين الميثولوجيا والتاريخ، وأصبحت مائلة أكثر للمنطق العقلي وبعيدة نسبيًا عن التصوّر الخيالي، وهير غير مقتصرة على حكايات يونانية فقط بل لكل عقيدة دينية وطبيعة عقلية النسج الروائي الميثولوجي الخاص بها والمُفسّر للكون.

أصل كلمة الميثولوجيا

مصطلح “الميثولوجيا” هو كلمة غريبة تم تناقلها ما بين الأجيال عن الأساطير أو الميتولوجيا، وهي في الأصل كلمة يونانية من مقطعين؛ ميتوس ولوغوس، ويعني المقطع الأول ميتوس كل ما يتعارض مع الجانب العقلاني ويكون مستحيلًا، أما المقطع الثاني لوغوس فمقصود به العقل.

فينتج عن ذلك المصطلح الذي تمتزج به متناقضات عقلية ولعقلية، لتُمثّل حلقة رابطة ما بين العقليات التي يمكننا رؤيتها ولمسها بحواسنا، وإدراك وجودها بشكل معنوي وحسّي، وبين غيبيات مُفسرة للعوامل والأسباب التي أدت إلى حدوث الظاهرة، وطريقة تكوّنها وتشكيلها، ويربط أصحاب العلم ذلك بقدرات خارقة غير عادية والآلهة.

انتقل المُصطلح إلى اللغة العربية بلفظ “علم الأساطِير”، والذي يرى علماء الاجتماع فائدتها في إزالة الغموض منذ عهد سابق عن أسرار نشأة الكون والقوى الإلهية -للخالق سبحانه-، مُبطلةً بذلك كافة التبريرات والأحكام الخاصة بسابقي عهد الأديان والتي تُصنف كخُرافة لا أكثر.

أنواع الميثولوجيا

تنوعت الميثولوجيا المنتمية إلى أسطورة جلجامش، وبشكل عام ينقسم علم الميثولوجيا إلى الأساطير الطقوسية، والتعليلية، والرمزية، وأسطورة التكوين، وفيما يلي نوضّح تعريف كل نوع للميثولوجيا:

  • الميثولوجيا الوعظية: تتناول مواضيع الميثولوجيا الوعظية الحكايات المليئة بالحكمة والالتزام بالأخلاق الطيبة والقيم والسلوكيات الحسنة، فهي ساعية في توثيق ارتباط ما بين الإنسان وخالقه، وأخذ العظة والعبرة بالتحذير.
  • الميثولوجيا التعليمية: اندرجت الميثولوجيا التعليمية تحت أنواع الحكايات الهادفة، والتي يُقصد منها غرس فكرة وتعلّم مضامينها، ويتشابه ذلك مع الميثولوجيا السومرية التي تشمل تعلّم الزراعة من قبل الإنسان.
  • الميثولوجيا الملحمية: هي شاملة لأساطير وحكايات الميثولوجيا المُخلّدة لسيرة أبال صالحين لهم أثر بارز وواضح في تشكيل ورسم الجانب التاريخي، وتسير تبعًا لميثولوجيا الإغريق وأسطورة جلجامش ملك أوروك السومري.
  • الميثولوجيا العلمية: تندرج بها الحكايات الميثولوجية المحتوية على موضوعات نشأة الكون والخلق، وأصل الأشياء، ومن الظاهر تبدو وكأنها علمية من ناحية الموضوعات إلا أن بها الكثير من التصورات والخيالات التي تخرج عن المنطق، والتي تُفسّر الغيبيات كالأسطورة البابلية إينوما إيليش.

خصائص ومميزات الميثولوجيا

يكثر التساؤل في باب مفهوم الميثولوجيا عن سمات هذا العلم وخصائصه، والتي نذكرها بإيجاز كما يلي:

  • الارتكاز على السحر: وجد الإنسان ما يساعد على تفسير غموض الغيبيات والحوادث الخارقة في السحر، وهو المعروف منذ القدم لقدرته على تحقيق معجزات وفعل أمور مستحيلة والتحويل، وهو ما لجأ إليه البعض في منطقهم.
  • الارتباط من الناحية الدينية: برزت سمة الارتباط الديني في غالبية حكايات علم الميثولوجيا أو كلها، وذلك لتخصص هذا العلم في البحث عن أصول النشأة الكونية والتفسيرات الغيبية، لكن الدين عالج الغموض وقام بالتفسير عن طريق ردّ تلك الأحدث إلى القوى الإلهية.
  • الارتباط من الناحية التاريخية: تتصل حكايات الميثولوجيا دائمًا بعلم التاريخ خاصةً الحكايات الموجودة بأفعال إنسانية، وهو ما يخلّد ويُعالج الكثير من القضايا، ويتشابه هذا العالم مع ملاحم الشعر المعروفة منذ القدم.
  • توافر العناصر القصصية: تتضمن القصة مجموعة من العناصر كالأشخاص والأوقات والأماكن والحبكة البارزة، وتتضمن حكايات الميثولوجيا بعض تلك العناصر القصصية، والتي لا ترتقي إلى مستوى الفن القصصي الأدبي ذي العناصر المتكاملة.
  • الإيجاز: الهدف من الميثولوجيات هو سد حاجة ورغبة الإنسان في التطلعات المعرفية والكشف عن الأمور الغامضة، فهي حكايات لا تُظهر التفاصيل بدقة بل تشرح أحداثًا عامّة وحسب انعكس تأثيرها بشكل واضح في تشكيل تفسيرات ميثولوجية.
  • الشمولية الموضوعية: تناول هذا العلم المواضيع الإنسانية بشكلٍ عام؛ ومنها التكوين والنشأة والموت، إضافةً إلى ما يرتبط بالعالم الآخر، وهو ما يبعد بها عن العلمية ويتركها غارقةً في التصورات الخيالية.
  • الأبدية: لا تتقيد الحكايات الميثولوجية بزمان أو مكان محددين، بل تتصف بالشمولية وكونها عامة ومُخلد لآلية وطبيعة عقل الإنسان، بالتالي تُجابه المجهول وتكشف عنه وتضع له تفسيرات موضحة.

منهجية علم الميثولوجيا

تكثر تساؤلات كثيرة حول كيفية الإفادة ما بين العلوم في إطار التعرف على مفهوم الميثولوجيا، ونجيب على ذلك من خلال عرض المناهج التي يتتبعها علم الميثولوجيا ومنهجيته، مع العلم أنه مرتبط بالمناهج اليوهيمرية، والطبيعية، والمجازية، والرمزية، والعقلية لعلم الأساطير:

  • المنهج التاريخي: يدرس علماء الميثولوجيا والاجتماع الجانب التاريخي من مناهج ونواحي عديدة، ومنها ما يستند إلى تتبع مراحل التطور زمنيًا للفكر الميثولوجي، والتعرّف على الأمور المكتسبة خلال ذلك، ويتم الاعتماد بالمنهج التاريخي على الاطلاع الديني والاكتشاف العلمي، والذي يؤثر في صياغة الحكايات بعقل الإنسان، وتُراعى الدقة في المنهج لأصل الحكاية مع الربط بالواقع الإنساني.
  • المنهج التأثري: تتم إجراءات الدراسة والتحليل والمقارنة والنقد لحكايات الميثولوجيا، وهي منشأة تبعًا لدراسات أخرى في الأدب والنقد من خلال توظيف الأسطورة في صياغة الفن الأدبي شعري أو نثري، وهو ما يُعطيه قيمة فكرية تتميز بعمقها، ويُضف إليها سمة الحداثة ويجعلها منفردة عن الفن الأدبي العتيق.
  • المنهج التحليلي: يستند المنهج التحليلي في الميثولوجيا على تفسير الرموز وتفكيكها، وهو ما يوصل إلى الآلية التي تُصاغ بها الحكايات المختلفة والأثر الذي تعكسه على العقل من خلال الاستقراء والإثراء بها.

تخصص الميثولوجيا

توجد علاقة بين تخصص علم الميثولوجيا ومجموعة من اختصاصات العلوم الأخرى؛ حيث توزع ما بين تخصصات الفلسفة والاجتماع واللغة، وساهمت دراسة الأساطير ورموزها في فهم أساليب التواصل الإنساني من الناحية اللغوية والتعرّف على توجهات اللغة الخاصة به، فهذا العلم يصف أيضًا طبيعة تفكيره ويكشف عن كثير من جوانبه الحياتية، بالتالي أصبح واحدًا من مواد المعرفة الغزيرة لدى علماء الاجتماع.

كما يتواجد ارتباط ما بين علم الميثولوجيا وعلم النفس؛ نظرًا إلى أن حكاياته تشمل رموزًا عدة وأحداث تخرج عن حدود المنطق، والتي قد يكون اللاوعي الإنساني هو المساهم في نسجها لإطلاق وتفريغ الطاقة بعد كبتها، والارتكاز على قوى خارجية خارقة لعدم إظهار الضعف، وعلى الرغم من ذلك فإن لكل علم الأركان والمناهج الخاصّة والتابعة له.

زر الذهاب إلى الأعلى